النُقاد والمتخصصون

د. نبيلة عنابوسي – اختصاصية علم نفس عيادي وتربوي

شكّل أسلوب الكتاب “جنون المنطق” حالة فنية جديدة في شكلها ودلالاتها وحواراتها المركزية والوجدانية والنفسية بين الأنا الحقيقي (True self) والأنا الكاذب (False self)، فقد كانت طريقة عرض الكاتب لذكريات الماضي بهذه السلاسة والرشاقة توثيق مهم في سرد الكتاب.

بين الماضي والحاضر ونظرًا الى المستقبل كان “جنون المنطق” بين دفتي كتاب مكون من 270 صفحه، تجمع بين ثناياها أربعه فصول في كل فصل تتابع مستمر بلا انقطاع لما قبله، بحيث لا يضل القارئ ولا يبذل عناء. لقد أحسست من البداية بأن هنالك عنصر تشويق وبحث عن الذات يدعو من خلالها الكاتب للتفكير خارج الصندوق، لكن خلال القراءة ولّد الكاتب لدي مشاعر جمة كقارئة سواءًا بالاستفزاز، الغضب أو التحفيز. لقد وجّه الكاتب القارئ إلى استطلاع شتى الوجهات لكي يستطيع الوصول الى أهدافه أو لربما لا، ولكن الناتج المؤكد ربح خبرة التجربة التي ستودي به إلى بداية جديدة أخرى.

لقد أخرج الكاتب الطفل الصغير الذي بداخله بكل شفافية وعفوية وبكل ما أوتي من قوة, مما أدخل القارئ بتساؤلات حول أي طفل كان هو … بنظري “جنون المنطق” كتاب محفز ومحرك للتنقيب في أعماق حياة القارئ الخاصة فيجعله وبحنكة يسترجع من عقله اللا واعي إلى عقله الواعي الكثير من المعلومات والشيفرات التي يجب ان تودي به إلى أن يتعامل معها باللا منطق.

مقوله الكاتب “ذلك التفجير لم يمزقني ولكنه مزق كل ما أعرفه عن الحياة الوردية” جملة جوهرية خاصة في الحياة التي نعيشها اليوم والتي جعلت الشر يطفو على السطح ليراه الإنسان على حقيقته. الابتزازات مهما كان أثرها وكيفية تجنبها أو استغلالها أخذت حيزًا مهمًا من سرد الكاتب، وهي نقطة مهمة جدًا في حياة القارئ الذي يقع في فخ الابتزازات، أحيانًا كثيرة دون دراية منه بذلك.

لقد خاض الكاتب في علم السلوك وعلم النفس كثيرًا فنظرية العقاب والثواب أخذت حيزًا مهما في حياة الكاتب، فالعقاب أثر عليه سلبًا وزاد من تمرّده وكاد أن يودي بحياته، لكن الاحتضان والمدح والاحتواء احتووه بقوة ووهبوا الكاتب درسًا مهمًا في حياته. لقد أحببت أسلوب الكاتب الشفاف النابع من دافع داخلي فالتقط من تجاربه ثمارا جمة، وأعطت الكاتب العبرة من كل تجربه ليمضي محمّلا بأدوات وآليات جديدة الى المستقبل المجهول.

لقد أثار الكاتب تأثير الخوف على مسارات حياة الطفل من ناحية نفسية واضطهاد الطفل وقولبته كالروبوت تحت تأثير العقاب، وركز على أن كسر حاجز الخوف يعد من أكثر النقاط أهمية بين أسطر الكتاب، فالكاتب يرى أن الشيفرات المسيطرة على العقول تؤدي إلى الانسحاب من جل المواقف التي تمر على الإنسان. عند قراءة الجملة “كيف نفلت من أسر منطقنا ونأسر منطق الآخرين” انتابني الشعور بأني لا أريد أن أكمل قراءتي لهذا الكتاب انطلاقًا من مبدأ أني لن أجعل أي إنسان يوقع بي بتحفيزاته ويأسر فكري…لكن حب الاستطلاع جعلني أعود لأكمل القراءة بنهم.

الجزء الثالث ولّد بداخلي اللهفة وتشوق لما ينتظرني كقارئة، فقد كُتب بلباقة وحكمة تجذب القارئ ورفع الغطاء عن زيف المنطق الذي يتنكر برداءات عدة. إن الكاتب يولّد في داخل القارئ قوة عظمى وإرادة وعزيمة، ويحاول بكل ما اوتي من قوة الحث على تحريك القارئ من مكانه ليبدأ حراكا داخليا مع زعزعة كل المسلمات عله يصل إلى مكان أفضل.

قسم كبير المعلمين للأسف الشديد يحاولون قولبة الطلاب لكن الكاتب تمرد على ذلك ولم يتنازل عن الأنا الحقيقي(true self)  الذي يملكه.. مما جعل منه شعلة من الإرادة وزاد من قوته الفكرية التي ترفض المنطق ويرفض أن يكون واحدا من كثر الذين يمرون في نفس الدرب بكل سذاجة وعمى.

أحببت سلاسة الكتابة وطريق السرد وتطوير أجزاء الكتاب ودمجها سوية لتكون مشعلا لكل من اراد ان يغير في مسارات حياته. هذا الكتاب يعد بنظري كنز لمن أراد أن يصل إلى الحدود القصوى التي يمكن أن يصل اليها، كتاب جريء من الدرجة الاولى والذي يحوي بداخله وبامتياز صورة الانسان بقوته وضعفه بخيره وشره في عناده ومرونته. 

فهنيئا لك اخ رامي نجاحك في الوصول الى اعماق القراء. وأشجع كل انسان يريد ان يتقدم في حياته ان يقرأ هذا الكتاب القيم.