أكاد أجزم أن أغلب من قابلني بالأيام الفائتة لاحظ وجود الكتاب بيدي، خلافًا لتخطيطي اليومي والأسبوعي حيث أخصص للمهام وقت معين، فقد آثرت القراءة بغير موعدها. وللعلم، هذه قراءتي الثانية للكتاب! نعم الثانية، لأن الأولى بزخمها قد استفزتني. ولماذا يستفزني الكتاب والكاتب? آه والله حركتني بعض الكلمات في المقدمة وخربشت نظام التهيئة للقراءة، وبعد ثوانٍ معدودة خاطبت نفسي بأن التروي سيقودني حتمًا للمغزى والرسالة. تلك التي استهدفها الكاتب والأخرى التي سأستنبطها بذاتي.
في كتاب جنون المنطق، قرأت قصص صغيرة وكبيرة من حياتي، واستحضرت مواقف وأحداث ماضية أثرها محفور لليوم، بعضٌ لا بأس به سلبيّ وعدد منها جميل وإيجابي. هرولت بحكمي بدايةً وقلت “كل أربعيني ملزم بقراءته”, ثم ما لبثت أن عدلت عن حكمي وقلت “كل من أنهى دراسته الأكاديمية الأولى مُجبر بالحصول عليه”, حتى وصلت بحكمي بأن هذا الكتاب توصية فخمة لكل من بدأ الحياة الحق ما بعد المدرسة وينظر حاليًا للعالم من فوّهة المنطق الذي ذوّته داخله. المنطق الذي لم يسلم من قلم الكاتب، بحق وبجرأة غير معهودة ترتكز على حقيقة، حقيقة ربما نتجاهلها أحيانًا.. أحيانًا كثيرة.
يجمع الكاتب ما بين الاجتماعيات، الأخلاق والأخلاقيات، الدين والجهل، العلم والثقافة والاقتصاد، ومن خلال جميعها يعرض علينا صورة حقيقية مؤلمة لواقع مُفلتر إلى جانب استحضار حياة “قديمة”…
تفاصيل الكتاب مسرودة بطريقة شائقة، مستفزة، مغايرة عما ألفناه من الروايات، تتزيّن باللغة العربية الفصيحة الصحيحة الجميلة، مرفقة ببلاغة تؤنبنا بصوت خافت لنلجأ للغتنا العربية أكثر.
مع كل موقف وقصة ستجد حتمًا أداة عملية تقود إلى تحسين قدراتنا ومهاراتنا وتأخذنا لأيام أفضل، نعي فيها فعلًا وحقًا أن كل منّا ملك وملكة بحياتنا، طالما عزمنا النوايا على الاجتهاد للاستمرار بالعمل. ومهما طالت قائمة شهاداتنا ودرجاتنا العلمية، ما لم نذوّت أن ما كنزناه من علم وجب نفع المجتمع والنفس به، فلا قيمة لأي سيرورة بنيناها خالية هي من الأهداف السامية والرؤية الإنسانية العملية.
كتاب يصفعنا لنفيق من سبات يغرقنا، يعطي شرعية لأحاسيس وأفكار “بشعة” خلجت دواخلنا في مراحل سابقة، يحفزنا على استثمار ما سيأتي من أعمارنا لنحسّن من أيامنا لننفع وننتفع. والأهم، ينير العقول ويثبت بأن الكتابة لمن يبدع بإيصال أجمل وأجود الرسائل، وليست حكرًا على فئة. شكرًا رامي على الكتاب الفخم، نفع الله بك وبعلمك المجتمع والأمة أجمع.